فصل: الباب الثالث: في المزارعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب المساقاة والمزارعة:

وفيه ثلاثة أبواب:

.الباب الأول: في أركان المساقاة:

وهي أربعة:

.(الركن) الأول: متعلق العقد:

وهي الأشجار، وسائر الأصول المشتملة على الشروط التي يأتي بيانها، إذ عليها يستعمل العامل بجزء مما تخرج كما يستعمل عامل القراض، إلا أن المساقاة لازمة موقتة، وتستحق الثمار فيها بمجرد الظهور قولاً واحدًا بخلاف القراض.
وأصلها ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقى أهل خيبر على شطر ما أخرجت من ثمر أو حب. قال مالك: وكان بياض خيبر يسيرًا بين أضعاف السواد وللأصول شروط:
الأول: أن تكون مما تجني ثمرته ولا تخلف.
واحترزنا بقولنا: لا تخلف، عن الموز والقضب والقرط والبقل، لأنه بطن بعد بطن، وجزة بعد جزة.
الشرط الثاني: أن تكون مما لا يحل بيعها:
فكل ما لا يحل بيعه تجوز المساقاة فيه، فإذا حل بيع ثمار النخل وغيرها أو المقاثي لم تجز المساقاة عليها، وإن عجز عنها ربها.
وقال سحنون: تجوز مساقاة ما جاز بيعه، وهي إجارة بنصفه.
الشرط الثالث: وهو مختص بالزرع والمقاثي:
وغير ذلك مما عدا الكرم والنخل وسائر الأصول المثمرة أن يعجز ربه عنه، على أشهر القولين:
ويشترط أيضًا فيه أن يكون ظاهرًا فلا تجوز المساقاة عليه قبل ظهوره من الأرض.
فرع:
إذا ساقى حائطًا فيه بياض، فإن كان البياض أكثر من الثلث لم يجز أن يدخل في المساقاة، ولا أن يلغي للعامل، بل يبقى لربه. وإن كان أقل من ذلك، فإن سكتا عنه، فقال مالك: هو ملغي للعامل.
وقاله محمد وابن حبيب. إلا أن ابن حبيب اشترط ألا تزيد قيمته على ثلث نصيب العامل خاصة.
وقاله ابن عبدوس. وظاهر قول مالك في كتاب محمد: أن المعتبر ألا تزيد قيمته على ثلث الجميع. وروي في كتاب ابن سحنون: أنه لربه إذا سكت عنه.
وإن شرط أن يكون داخلاً في حكم المساقاة فقال ابن القاسم: لا بأس أن يشترط في المساقاة يزرعه العامل من عنده ويعمله، وما خرج منه فبينهما. ولا يجوز أن يشترط نصف البذر على العامل. وأحب إلي أن يلغى للعامل
وشرط في جواز ذلك أن يكون سهم العامل فيه كسهمه في المساقاة سواء.
وقال أصبغ: يجوز أن يشترط ثلاثة أراعه وإن كان سهمه في المساقاة النصف. قال: وإنما الذي يكره أن يكون لصاحب الأصل أكثر من النصف.
وقال مالك: أحله أن يلغي العامل، وأن شرط لربه يعمله لنفسه جاز. قال ابن حبيب: إلا أن يكون يناله سقي الحائط، إن كان الحائط يسقى فلا يجوز كاشتراط زيادة. ولا يجوز أن يتشرط على العامل أن يزرعه ببذره أو ببذر ربه، ويعمل فيه العامل على أن ما حصل فيه فلرب النخل كزيادة يسيرة تشترط على العامل.
ولو ساقاه زرعًا فيه بياض، وهو تبع له، جاز أن يشترطه العامل ليزرعه لنفسه خاصة، كبياض النخل. ولو كان في الزرع شجر متفرقة، وهي تبع له، جاز أن يشترط على ما شرطنا في الزرع، ولا ينبغي أن يشترطها العامل لنفسه إن قلت، بخلاف البياض.
ولا يجوز على أن ثمرتها لأحدهما دون الآخر. قال الشيخ أبو محمد: قوله: هي تبع له يعني وإن كانت تبعًا فلا يشترطها العامل لنفسه بخلاف البياض، وكذلك زرع تبع للأصول، إلا أن المساقاة فيها جائزة على جزء واحد، كان أحدهما تبعًا أو غير تبع.

.الركن الثاني: المشروط للعامل، وهو الثمار:

ولتكن مشروطة على الاستفهام معلومة بالجزئية لا بالنقدين كما في القراض. ولا بأس أن يساقي الحائط على جزء واحد وإن كان مختلف الثمرة من جيد ورديئ.
ولا يجوز أن يساقي حائطه أربع سنين في عقد واحد، سنتين على النصف،وسنتين على الربع.
ولا يجوز أن يساقيه حائطًا بموضع مرغوبًا فيه على أن ساقاه معه حائطًا له آخر بموضع غير ذلك الموضع، إلا أن يساقيهما على سقاء واحد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ساقى خيبر، وفيها أصناف كثيرة.
وبالجملة: فتجوز مساقاة حوائط عدة في صفقات متعددة بجزء متفق أو مختلف، فأما في صفقة واحدة فبجزء متفق لا غير.
ويجوز جمع الحائطين في السقا، وإن كان أحدهما نخلاً وفي الآخر أصناف الشجر، ما لم يكن من ذلك شيء طاب، إلا أن يكون ما طاب يسيرًا. وكذلك لو كان أحدهما بعلاً والآخر غير بعل لجاز.

.الركن الثالث: العمل:

وشرطه أن يقتصر على عمل المساقاة، ولا يشترط عليه ضم عمل آخر ليس منها. وأن يستبد العامل باليد، فلا تشترط مشاركة المالك له فيها، ولا يعمل معه، بل ينفرد هو بالعمل.
وقال سحنون: إذا كان الحائط كبيرًا بحيث يجوز اشتراط الغلام فيه جاز اشتراط عمل رب الحائط فيه.
قال أبو محمد عبد الحق: ليس وضع يد المالك كوضع يد غلامه، لأن يد المالك إذا بقيت معه فكأنه لم يسلم له ولا رضي بأمانته، بخلاف الغلام.
ويجوز أن يشترط أن يعمل معه غلام المالك، ويصح إذا كان الحائط كبيرًا واشترط بقاءه مدة المساقاة، وأنه إن مات قبل انقضائها أخلفهم مالكه.
ثم النفقة على العامل لنفسه ولدواب الحائط ورقيقه، كانوا له أو لرب الحائط. ولا يجوز. اشتراط شيء من ذلك على رب الحائط.
وقال في مختصر ما ليس في المختصر: هي على رب الحائط.
ويتشرط تأقيت المساقاة لأنها لازمة. قال ابن القاسم في الكتاب: والشأن في المساقاة إلى الجداد، لا تجوز شهرًا ولا سنة محدودة، وهي إلى الجداد إذا لم يؤجلا، بسنين فيلزمه العمل إلى آخرها، ويعتبر في السنة الأخيرة بالجداد.
وكذلك لو ساقاه سنة واحدة لكان منتهاها الجداد، فإن كانت تطعم في العام مرتين فهي إلى الأولى حتى تشترط الثانية.
ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جدًا، قيل: عشرة؟ قال: لا أدري تحديد عشرة، ولا ثلاثين، ولا خمسين.

.الركن الرابع: ما به تنعقد المساقاة:

وهو إما الصيغة فيقول: ساقيتك على هذا النخل بالنصف أو غيره، أو عاملتك فيقول: قبلت: أو ما يقوم مقام ذلك من القول والفعل.
واختل إذا عقد بلفظ الإجارة، فأبطله ابن القاسم وصححه سحنون، وروى محمد مثله. ولا يشترط تفصيل الأعمال فإن العرف يعرفه.

.الباب الثاني: في حكمها في حالتي الصحة والفساد:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: إذا وقعت صحيحة:

فحكمها وجوب العمل والكف والنفقة في ما تحتاج إليه الثمرة المساقى عليها، وجميع المؤن على العامل، مثل السقي، والإبار وهو التلقيح، والخدمة والشرب، وهي تنقية الحياض التي حول أصول الشجر، وتحصين خروقها، ومجرى الماء إليها، والجداد، وعلوفة الدواب، ونفقات الغلمان، وما يتعلق بمصلحة الثمر مما لا يبقى بعد انصراف العامل، ولا يجب عليه حفر بئر ابتداء، أو إنشاء غراس، أو بناء بيت تجنى فيه الثمرة، وشبه ذلك. ولا يجوز اشتراطها عليه.
فأما سد الحظار، وهو تحصين الجدر وتزريبها؛ وخم العين، وهو كنسها؛ ورم القف، وهو الحوض الذي يسقط فيه الماء من الدلو، ثم يجري منه إلى الضفيرة، وهي مجرى محبس الماء كالصهريج، فلا تجب على العامل، إن جاز اشتراطها عليه. فإن لم يشترط فهو على رب الحائط.
وعلى العامل جميع المؤن، والأدوات من الآلات والأجزاء والدواب والدلاء والأداة من حديد وغيره، إلا أن يكون شيء من ذلك في الحائط يوم السقاء فللعامل الاستعانة به وإن لم يشترطه..
وأجرة من كان من الأجراء على ربه دون العامل. ولا يجوز اشتراط أجرتهم على العامل، بخلاف نفقتهم وكسوتهم.
ثم للعامل خلف من مات أو مرض من جميع ذلك على رب الحائط إذا كان مما هو فيه يوم السقاء وإن لم يشترطهم العامل. ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز، ولا تنتقض المساقاة به.
وأما ما رث أو خلق من دلو وحبل وغيره، فقيل: خلفها على العامل وقيل: على رب الحائط. وإن سرق ذلك فعلى رب الحائط الخلف.
قال أبو الحسن اللخمي تفريعًا على القول بأن الخلف على العامل في حال التلف؛ ثم إذا أخلف ذلك تجديداً استعمله العامل إلى ما يرى أنه بقي من زمن استعمال المسروق، ثم يأخذه رب الحائط ويأتي العامل بما يستعمله.
وإذا مات العامل تمم الوارث العمل من تركته، فإن لم يكن من الورثة أمين أتوا بآمين.
ولو ادعى المالك سرقة أو خيانة على العامل لكان القول قول العامل لأنه أمين. فإن ثبتت خيانته فليتحفظ منه.
وللعامل أن يساقي غيره على جزء موافق للجزء الذي ساقى عليه أو أقل منه، عجز عن العمل أو لم يعجز. ولكن من يساقيه أمينًا. فلو لم يجد من يساقيه عند عجزه أسلم الحائط إلى ربه، ثم لا شيء عليه ولا له، لأنه إن ساقاه إياه جاز كالأجنبي، إلا أن يكون الثمر قد حل بيعه فلا تجوز المساقاة وليستأجر. فإن لم يجد إلا أن يبيع نصيبه وهو أجرته فعل، فإن كان فيه فضل فله، وإن نقص فعليه، إلا أن يرضى رب الحائط أخذه وإعفاءه من العمل فذلك له، ولهما أن يتقايلا على غير شيء يأخذه أحدهما من الآخر.
ولا تنفسخ المساقاة بفلس رب الحائط، ولكن يباع الحائط وتبقى المساقاة على حالها.
وقيل: ذلك في السنة وشبهها دون ما زاد على ذلك. وقيل: لا يجوز بيعه أصلاً ويوقف، إلا أن يرضي العامل بتركه فيعجل بيعه.
ولو ساقى المريض حائطه لجاز، فإن حابى فالمحاباة في ثلثه.

.الفصل الثاني: فيما إذا وقعت المساقاة فاسدة:

ولها ثلاثة أحوال:
الأول: قبل الشروع في العمل فتفسخ.
الحال الثاني: بعد الفوت بانتهاء العمل وفراغه، ويختلف في الواجب حينئذ~ على أربعة أقوال:
أحدها: إجازة المثل جملة من غير تفصيل.
الثاني: مساقاة المثل مطلقًا أيضًا.
الثالث: إن العامل يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان الشرط لمساقي، أو أقل إن كان للمساقي.
الرابع: قول ابن القاسم، وهو التفصيل: فترد بعض الصور إلى أجرة المثل،كما إذا خرجا فيها عن حكمها إلى حكم الإجازة الفاسدة أو إلى بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، مثل أن يشترط أحدهما على صاحبه زيادة من عين أو عرض أو غيرهما، فيكون رب المال مستأجراً بما يزيده مع جزء من الثمرة، أو العامل مشترياً بجزء الثمرة قبل بدو صلاحها بما زاده ويعمله، ويرد في بعضها إلى مساقاة المثل، كما إذا لم يخرجا عن حكمها وإنما عقداها على غرر، مثل أن يساقيه حائطًا على النصف وحائطًا على الثلث، أو مثل أن يشترط أحدهما على الآخر من عمل الحائط ما لا يلزمه مما لا يبقى لرب الحائط منفعة مؤبدة وشبه ذلك.
الشيخ أبو الوليد: المساقاة مع البيع في صفقة واحدة، والمساقاة سنة على الثلث وسنة على النصف.
الحد الثالث: أن يعثر عليها في أضعاف العمل بعد الشروع وقبل الفراغ. وحكم هذه الحال أن يفسخ ما كان الواجب فيه إذا انتهى أجرة المثل على ما سبق من تفصيل ابن القاسم، ثم يكون للعامل أجرة مثله فيما عمل إلى حين العثور عليه. وأما ما كان الواجب فيه مساقاة المثل فلا يفسخ بل يمضي وتكون فيه مساقاة المثل.
ولو كان العقد على أعوام وبقي منها شيء بعد العثور عليه لبقي على مسافاته فيها وكان الواجب فيها مساقاة المثل دون المسمى.

.الباب الثالث: في المزارعة:

والنظر في شرطها وحكمها:

.النظر الأول: الشرط:

ولها شرطان:
الشرط الأول: السلامة عن مقابلة منفعة الأرض أو بعضها بما لا يجوز كراء الأرض به، وسنرسم فيه مسألة في آخر الباب إن شاء الله تعالى.
فلو كان البذر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر، وما سوى ذلك بينهما أو من عند أحدهما، لم تجز لمقابلة الأرض البذر.
فإذا كانت الأرض بينهما، يملكان رقبتها أو منفعتها، جاز أن يكون البذر من عندهما أو من عند أحدهما، لم تجز لمقابلة الأرض البذر.
فإذا كانت الأرض بينهما، يملكان رقبتها أو منفعتها، جاز أن يكون البذر من عندهما أو من عند أحدهما، إذا كان في مقابلة ما يساويه من العمل والبقر.
وكذلك لو كان البذر من عندهما جاز، وإن كانت الأرض من عند أحدهما، إذا قابلها ما يساويها من العمل والبقر. وأولى بالجواز إذا كانت من عندهما.
وبالجملة: فمتى كانت المزارعة على أن البذر أو جزءًا منه في مقابلة منفعة الأرض أو جزء منها فسدت المزارعة.
وفي كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب: إذا اشترك اثنان فأخرج أحدهما الأرض وثلثي الزريعة والآخر ثلثها والعمل، على أن يكون الزرع بينهما نصفين، قال ابن حبيب: أو على الثلث والثلثين، قالا: فذلك جائز.
قال سحنون: إذا كافأ عمله كراء الأرض وما فضله من الزريعة. قال ابن حبيب: لأن زيادة الزريعة، بإجارة عمل العامل، قالا: فإن أخرج العامل ثلثي الزريعة وصاحب الأرض ثلثها، على أن الزرع بينهما نصفان، لم يجز. قالا لأن زيادة الزريعة ها هنا كراء الأرض.
وإن أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر، والآخر ثلث الأرض وثلثي البذر والعمل والزرع بينهما نصفان لم يجز. قال سحنون: وكأنه أكرى سدس أرض بسدس بذر صاحبه.
فروع ثلاثة:
الفرع الأول: قال سحنون: إنما يجوز في الشركة الصحيحة اشتراط العمل على أحدهما في عمل الحرث فقط لا في الحصاد والدراس، لأنه لا يدري هل يتم وكيف يكون؟
قال أبو إسحاق التونسي: هذا هو الصواب، لأنه إنما يعمل عملاً معلومًا، وما كان لا يدري كما يعمل ولا كيف المعمول؟ فلا يجوز.
قال أبو إسحاق: وقد وقع في العتبية لابن القاسم في شرط الحصاد والدراس، خلاف هذا، وما قدمناه أولى.
الفرع الثاني:
إذا أخرج الشريكان في الشركة الصحيحة البذر من عندهما جميعًا، فقال سحنون: إنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجا من الزريعة، أو جمعاها في بيت، أو حملاها جميعًا إلى الفدان، وبذر كل واحد في ظرفه، فزرعها واحدة ثم زرعا الأخرى، فهو كما لو جمعاها في بيت، وتصح الشركة.
وروي عن سحنون أيضًا، أنه قال: إذا زرع كل واحد منهما بذرة في ناحية معلومة لم تجز الشركة، وإن لم يكن ذلك بشرط، ولكل واحد منهما ما أنبت بذره، ويتراجعان في الأكرية والعمل، وإنما تجوز الشركة إذا خلطا الزريعة كالشركة بالمال، وقاله أصبغ.
قال: فأما لو لم يخلطاهما، فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه، وبذر الآخر في الناحية الأخرى، ولم يعملا على ذلك، فإن الشركة لا تنعقد، ولكل واحد ما أنبت حبه، ويتراجعان في الأكرية والعمل، وإنما تجوز الشركة إذا خلطا الزريعة كالشركة بالمال، وقاله أصبغ.
قال: فأما لو لم يخلطاهما، فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه، وبذر الآخر في الناحية الأخرى، ولم يعملا على ذلك، فإن الشركة لا تنعقد، ولكل واحد ما أنبت حبه، ويتراجعا فضل الأكرية، ويتقاصان.
الفرع الثالث:
إذا حملاهما جميعًا إلى الفدان، فزرعا واحدة، ثم زرعا الأخرى، فصححنا الشركة، فنبت بذر أحدهما، ولم ينبت بذر الآخر، فإن غر منه صاحبه وقد علم أنه لا ينبت، فعليه مثل نصف بذر صاحبه له والزرع بينهما، ولا عوض له في بذره، وإن لم يعلم أنه لا ينبت ولم يغرم، فإن على الذي ينبت بذره أن يغرم للآخر مثل نصف بذره على أنه لا ينبت، ويأخذ منه مثل نصف بذره الذي ينبت، والزرع بينهما على الشركة، غره أو لم يغره.
الشرط الثاني: التعادل بين الأشراك في قدر المخرج أو قيمته بحسب حصص الأشراك. فلا تجوز على أن يكون لأحدهما الثلث أو الربع أو غيرهما من الأجزاء، على أن يخرج ما لا يكون قيمة ذلك الجزء من جميع المخرج، إلا أن يكون التفاوت يسيرًا لا قدر له فلا يفسد المزارعة وإن تعمد.
وكذلك لو عقدت على التساوي لم تفسد بما فضل به أحدهم بعد ذلك وإن كثر.

.النظر الثاني: في حكمها.

ولا خفاء بأن حكم المزارعة الصحيحة التوزيع بينهم على الشرط المقدور. وأما حكم الفاسدة فالفسخ إن عثر عليها قبل الفوات بالعمل، فإن فاتت به اختلف حكمها باختلاف صورها.
فإن دفع له الأرش، والعمل على الآخر، وقال الآخر: أخرج أنت جميع البذر على أن على نصفه، لم يجز لشرط السلف، فإن وقع ذلك فالزرع بينهما نصفان، لأنهما ضمنًا الزريعة وتكافأ في العمل وكراء الأرض، ويرجع مخرج الزريعة بنصفها معجلاً على الآخر.
وقال ابن سحنون عن أبيه: الزرع لمسلف الزريعة وعليه كراء الأرض، قبض رب الأرض حصته من الزريعة أو لم يقبضها إذا وقعت الشركة على شرط السلف، إلا أن يكون أسفله على غير شرط بعد صحة العقد.
وإن قال له: خذ بذري فازرعه في أرضك على النصف؛ ففي قول سحنون: الزرع لرب البذر، ولهذا أجر عمله وكراء أرضه. وفي قول ابن القاسم: الزرع للعامل وعليه مكيلة البذر لربع.
وإن أخرج هذا البذر، وأخرج الآخر الأرض، ووليا جميعًا العمل، وتكافأ في ما سوى البذر والأرض على أن يكون الزرع بينهما نصفين، فهو بينهما على ما شرطا، وعلى صاحب البذر نصف كراء الأرض، وعلى صاحب الأرض نصف مكيلة البذر، ولا تراجع بينهما فيما سوى ذلك إذ قد تكافأ فيه.
وحكى الشيخ أبو الوليد إذا وقعت فاسدة وفاتت بالعمل ستة أقوال، ولم يخص وجهًا من وجوه الفساد دون غيره.
وقال:
الأول: إن الزرع لصاحب البذر ويؤدي لأصحابه كراء ما أخرجوه.
الثاني: إن الزرع لصاحب العمل.
الثالث: إنه لمن اجتمع له شيئان من ثلاث أصول: البذر، والأرض،والعمل. فإن كانوا ثلاثة، واجتمع لكل واحد شيئان منها، أو انفرد كل واحد منهم بشيء واحد منها، كان الزرع بينهم أثلاثاً، وإن اجتمع لأحدهم شيئان منها دون صاحبيه، كان له الزرع دونهما، وهو مذهب ابن القاسم، واختاره محمد، على ما تأول أبو إسحاق التونسي.
الرابع: أن يكون لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أشياء على هذا الترتيب وهي: الأرض والبقر والعمل.
السادس: قال ابن حبيب: إن سلمت المزارعة من كراء الأرض بما يخرج منها كان الزرع بينهم على ما اشترطوه، وتعادلوا فيما أخرجوه، فإن دخله كراء الأرض بما يخرج منها كان الزرع لصاحب البذر. ولنختم الباب برسم المسألة الموعودة في كراء الأرض.
مسألة: المشهور من المذهب أنه لا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام، كان مما تنبته أو مما لا تنبته، ولا ببعض ما تنبته من غير الطعام كالقطن والكتان والعصفر والزعفران، ويجوز بالقصب والخشب.
وقال ابن كنانة: لا تكري بشيء إن أعيد فهيا نبت، ولا بأس أن تكري بغير ذلك من جميع الأشياء، أكل أو لم يؤكل، خرج منها أو لم يخرج. به قال يحيي بن يحيي، وقال: إنه من قول مالك.
وقال به ابن مزين.
وقال ابن نافع: تكرى به خلاف ما يزرع فيها ما عدا الحنطة وأخواتها.
قال عيسى بن دينار: فمن أكراها على أحد هذه الأقاويل الثلاثة أجزت كراءه ولم أفسخه. قال: وأما مذهب الليث في تجويزه كراء ها بالثلث أو بالربع مما تنبت، فإن وقع. فسخته، وإن فات أوجبت عليه كراء مثلها بالدراهم.
قال الشيخ أبو محمد: وشدد في كرائها بجزء مما يخرج منها فقال: قد قال قائل وأنا أيضًا أقوله، إن من فعل ذلك فهو جرحة في حقه. قال: يريد إن كان عالمًا إنه لا يجوز، إما لأنه مذهبه، أن اتبع فيه غيره ممن قلده من العلماء. قال سحنون: ولا يؤكل طعامه، ولا يشتري من ذلك الطعام الذي أخذ في كرائها.
وقال الشيخ أبو إسحاق في استئجار الأرض بالعروض التي تتولد عنها، مثل الكتان والعصفر والخضر وما أشبه ذلك: قولان لأصحابنا، أحدهما: إنه لا يجوز، والآخر: إنه يجوز ولو بالحنطة والشعير والحبوب.

.كتاب الإجارة:

وفيه ثلاثة أبواب:

.الباب الأول: في أركانها:

وهي ثلاثة:

.(الركن) الأول العاقدان:

ولا يخفى أمرهما.

.الركن الثاني في الأجرة:

وهي كالثمن، إلا أنها لا تتعجل بمجرد العقد، إلا أن يكون شرط أو عادة، أو يقارن العقد ما يوجب التقديم، ويكون تأخيرها يؤدي إلى أمر ممنوع، مثل أن تكون الأجرة عرضًا معينًا أو طعامًا رطبًا أو ما أشبه ذلك. وما عدا هذا فلا يستحق تقديم جزء من الأجرة إلا بالتمكين من استيفاء ما يقابله من المنفعة.
قال القاضي أبو الحسن: كلما استوفى منفعة يوم استحق عليه أجرته، إلا أن تكون هناك عادة من نقد أو تأخير، أو يشترطوا شرطًا فيلزم ذلك كله، ويحملوا عليه. فإن استأجر أجيرًا يعمل له شهرًا بثوب معين، فإن كان العرف التقديم صح العقد وأجبر على التقديم؛ وإن كان العرف التأخير فسد العقد عند ابن القاسم، إلا أن يشترط النقد، وصح عند ابن حبيب.
وقال الأستاذ أبو بكر: وهذا أصل مختلف فيه بين ابن القاسم والمدنيين فعند ابن القاسم يحمل الإطلاق على العرف وإن كان العرف فاسداً. وعند ابن الماجشون وغيره من المدنيين: لا حكم للعرف الفاسد، وإنما التأثير للعرف الصحيح. ثم في معنى الاستيفاء التمكين منه، فإذا حصل التمكين فالأجرة مستحقة، استوفيت المنفعة أم لا.
ولما كانت الأجرة كثمن المبيع وجب أن يراعى فيها شرائطه، فلو آجر داراً بعمارتها وهي غير معلومة لم يجز. وكذلك إن استأجرها بدراهم معلومة، فشرط صرفها إلى العمارة بعمل المستأجر، وعمله غير مضبوط بلفظ أو إعادة لم يجز أيضًا. ولو كانت الأجرة صبرة مجهولة جاز كما في البيع.
ولو استأجر السلاخ بالجلد، والطحان بالنخالة، والنساج بجزء من الثواب، لم يجز، إذ لا يدري كيف يخرج، ولأن ما استأجره به لا يسلمه إليه بعد مدة. ولا يجوز ذلك في المعين إذا خيف منه الغرر.
وإن آجرته على تعليم العبد الكتابة أو القرآن سنة وله نصفه لم يجز، إذ لا يقدر على قبض ذلك قبل السنة وقد يموت العبد فيها فيذهب عمله باطلاً.
ويجوز أن يؤاجر على تعليم العبد الخياطة أو القصارة أو غيرها بأجر مسمى، أو بعمله سنة. قال غيره: وبأجر مسمى أجوز. قال يحيي. والسنة محسوبة من يوم أخذه.
ولو قال: احصد زرعي هذا ولك نصفه، أو جد تمري هذا ولك نصفه، فلك جائز، وليس له تركه لأنها إجارة. وكذلك لقط الزيتون، وهو كبيع نصفه.
وإن قال: فما لقطت أو حصدت فلك نصفه، جاز، وله الترك متى شاء لأن هذا جعل. وغير ابن القاسم لا يجيز هذا.
وإن قال له: احصد اليوم أو التقط اليوم، فما اجتمع فلك نصفه لم يجز، إذ لا يجوز بيع ما يحصد اليوم فلا أجيزه ثمنًا، مع ضرب الأجل في الجعل، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء. ولم يجزه في العتبية في رواية عيسى عن ابن القاسم.
وقال ابن حبيب في الواضحة: إذ قال: احصد زرعي كله، أو اطحن قمحي كله ولك نصفه فلا يجوز ذلك ويفسخ. فإن طحنه وسلم كان لصاحبه وعليه أجر العامل. فإن لم يسلم وتلف فلا أجر له، قال مطرف وابن الماجشون وإن شرط أن يترك متى شاء. وإن قال: انفض شجري أو حركها،فما نفضت أو سقط فلك نصفه لم يجز لأنه مجهول. وإن قال: اعصر زيتوني أو جلجلاني، فما عصرت فلك نصفه لم يجز إذ لا يدري كيف يخرج، وغذ لا يقدر على الترك إذا شرع وليس كذا الجعل، والحصاد يدعه متى شاء إذا قال: فما حصدت من شيء فلك نصفه.
وأما قوله: احصد ولك نصفه، فتلك إجارة لازمة. قال ابن حبيب: قوله: احصده أو اعصره أو اطحنه ولك نصفه جائز كله حتى يقول: فما خرج فلك نصفه فلا يجوز. ومحمل الأول على أنه ملكه نصفه الآن، حتى يقول تصريحًا: فلك نصفه بعد الجداد أو القطاف أو العصر، فلا يجوز، لأنه لم يملكه منه الآن شيئا، وقد يهلك ذلك بعد أن عمل فيه فيذهب عمله باطلاً، ويصبر كمن أجر نفسه بنصف ما يخرج، وذلك كبيعه فلا يجوز.
قال ابن القاسم: ولو قال: احصده وادرسه ولك نصفه لم يجز، لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب، وهو لا يدري كيف يخرج، ولو باعه زرعاً جزافًا وقد يبس، على أن عليه حصاده ودراسه لم يجز، لأنه شراء حب جزافاً لم يعاين جملته.
قال الشيخ أبو محمد: يريد: ولم يعاين تصييره. واختلف إذا استأجر الطحان بصاع من الدقيق، فأجيز كبيعه.
وقال محمد: لا يجوز، لأنه قد يهلك بعد العمل، فيذهب عمله باطلاً، بخلاف البيع إذ ملك في البيع ولم يملك ها هنا. وأطلق القاضي أبو الفرج أيضًا المنع.
ولو شرط للمرضعة جزءًا من المرتضع الرقيق بعد الفطام فهو فاسد.

.الركن الثالث: المنفعة.

ومورد العقد: كل منفعة يستباح تناولها، ويجوز لمالكها منعها وبدلها.

.وشروطها:

خمسة:
أن تكون متقومة، غير متضمنة استيفاء عين قصدًا، وأن تكون مقدوراً على تسليمها، حاصلة للمستأجر، معلومة.

.الشرط الأول: أن تكون متقومة.

فما لا تتقوم منفعته لا يصلح استئجاره. واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها، فقيل فيه بإثبات الصحة ونفيها. ومنع ابن القاسم استئجار الدنانير والدراهم لتزيين الحوانيت. ومنع أيضًا استئجار كل ما لا يعرف بعينه. وصحح جميع ذلك الشيخ أبو بكر وغيره إذا كان المالك حاضرًا معه. واختلف في إجارة المصحف.
فقال محمد وابن حبيب: لا يجوز، بخلاف بيعه، وكأنه ثمن للقرآن، وفي البيع الثمن للرق والخط. قال ابن حبيب: وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك. قال: واختلف قول ابن القاسم فيه. والذي في الكتاب لابن القاسم إجازة إجارته.

.الشرط الثاني: ألا يتضمن استيفاء عين قصدًا.

فلا يصح استئجار الأشجار لثمارها،والشاة لنتاجها ولبنها وصوفها، لأنه بيع عين قبل الوجود. ويستثنى من ذلك اشتراط ثمرة الشجرة التي في الدار المستأجرة، إذا كانت قيمة الثمرة ثلث الكراء فأقل، مثل أن تكون قيمة. أجرة الدار دون شرط الثمرة عشرة، وقيمة الثمرة في ما عرف مما عرف مما تطعم كل عام إذا اعتبر الوسط من ذلك خمسة، فيشترطها المستأجر لرفع ضرر دخول الدار لجد الثمرة وسقيها وشبه ذلك من خدمتها، فأرخص له باشتراطها لأجل ذلك.
فأما استئجار المرأة للإرضاع مع الحضانة فيصح، ويندرج اللبن تحتها وإن كان عيبًا للضرورة، بل يجوز استئجارها للبن على انفراده للضرورة، كما يجوز استئجارها للحضانة بمجردها. وقد تناول النص أخذ الأجرة على الإرضاع.
واستئجار الفجل للضراب جائز، إذا عين في الإجارة أكومًا معلومة، فإن سمى أيامًا أو شهرًا لم يجز أن يسمي مع ذلك نزوات معدودة. ولو استأجر على النزو حتى يعق لم يجز لأنه مجهول. وإن استأجره على أن يحمله عليها دفعة بعد أخرى فعقت في الأولى، انفسخت الإجارة فيما بقي.

.الشرط الثالث: القدرة على التسليم حسًا وشرعًا.

فلا يصح استئجار العين لمنفعة لا تتصور منها، كاستئجار الأخرس للتعليم، والأعمى للحفظ، وكذلك استئجار قطعة أرض لا ماء لها للزراعة، ولو استأجرها للسكنى صح.
وكذلك لو كان الماء متوقعًا، ولكن على النذور، لم يصح، ولو كان الغالب وجوده لصح. فأما إن كان وجوده معلومًا بالعادة، أو غالبًا على الظن غلبة يكون عدمه معها شاذاً نادراً، كمأمون أرض النيل، فالعقد صحيح والنقد جائز.
وكذلك أرض المطر المأمونة في العادة يجوز فيها العقد والنقد. وقيل: لا يجوز النقد في أرض المطر وإن كانت مأمونة.
ولو استأجر أرضًا والماء مستول عليها في الحال، ويعلم بالعادة أنه لا ينحسر عنها فالعقد باطل، فإن علم بها انحساره أو كان الغالب انحساره فهو صحيح. قال ابن القاسم: وكذلك إن استوى الاحتمالان.
وقال غيره: لا يجوز الكراء إن خيف ألا ينحسر الماء عنها.
وإجارة الدار السنة القابلة صحيحة، كما لو أضافها إلى ما قبلها في عقد واحد، ويجوز النقد فيها لأمنها، فإن طال الأجل كره النقد وإن جاز العقد. ولو قال: استأجرت هذه الدابة لأركبها نصف الطريق وأترك لك النصف فأولى بالصحة.
ثم العجز الشرعي كالعجز الحسي في الإبطال؛ فلو استأجر على قلع سن صحيحة، أو قطع يد صحيحة، أو استأجر حائضًا على كنس مسجد، فالإجازة فاسدة، لأن تسليمه شرعًا متعذر. ولو كان اليد متأكلة، والسن متوجعة صحت الإجارة. فإن سكن قبل القلع واستغنى عن القلع انفسخت الإجارة. ولو استأجر منكوحة الغير ظئرًا دون إذن الزوج كان للزوج أن يفسخ الإجارة عنها. وأن يسافر بها فتنفسخ، وكان له أن يطأها إن لم تختر الفسخ، والمستأجر بالخيار بين أن يرضى بالإجارة على أن الزوج يطأ أو يفسخ، فإن كان بإذنه صح، ثم لا يكون له أن يفسخ الإجارة، ولا أن يسافر بالمرأة، ولا أن يطأها، إلا أن يرضى المستأجر.
وقال أصبغ: لا يمنع الوطء إلا أن يشترطوا ذلك عليه، وإلا لم يمنع إلا أن يتبين ضرر ذلك على الصبي فيمنع حينئذ. ولو استأجرها الزوج نفسه فهو صحيح، ويجوز استئجاره لها لإرضاع ولده منها أو من غيرها.

.الشرط الرابع: حصول المنفعة للمستأجر.

فلا يصح الاستئجار على العبادات التي لا تجزئ النيابة فيها، كالصلاة والصيام ونحوهما. وقد تقدم الكلام في الاستنابة في الحج والإجارة عليه. فأما حمل الجنازة، وحفر القبر، وغسل الميت، فتجزئ فيها النيابة والإجارة.
ويجوز الاستئجار على الإمامة مع الأذان، وكأن الأجرة إنما وقعت على الأذان والقيام بالمسجد لا على الصلاة. وقد أجرى عمر لسعد القرظي رضي الله عنهما رزقاً على الآذان. ولا تجوز على الصلة بانفرادها، فرضًا كانت أو غير فرض.
ومنع ابن حبيب من ذلك مجتمعًا ومفترقًا. قال: وما رروي من عطية عمر وغيره على ذلك، فلأن ذلك من مال الله، ونفقة لهم على قيامهم بأمر المسلمين،وكذلك كان يجري للقضاة. والولاة زرقًا، وهم لا يجوز لهم الأخذ من مال من حكموا له بالحق جعلاً على حكمهم.
وأجاز ابن عبد الحكم ذلك مجتمعًا ومفترقًا. ورأى أن الأجرة على ملازمة الموضع الخاص أوقات الصلوات وارتقاب الأوقات لا على أداء الصلوات أنفسها.

.الشرط الخامس: كون المنفعة معلومة.

وتفصيلها ينقسم أقسام الإجارة، وهي ثلاثة أقسام:

.القسم الأول: استصناع الآدمي:

وذلك يعرف إما بالزمان، أو بمحل العمل، كما يستأجر الخياط يومًا، أو لخياطة ثوب معين. فلو جمع بينهما وقال: استأجرتك لتخيط هذا الثوب في هذا اليوم لم يصح، لأنه ربما يتم العمل قبل اليوم أو بعده.
وفي تعليم القرآن يعرف بالزمان أو بالسور. وفي الإرضاع بعين الصبي؛ فأما الدهان وغسل الخرق ونحوه، ومحل الإرضاع فمحمول على المتعارف.
وقال محمد بن عبد الحكم: على الظئر أن تغسل خرق الصبي ولحافه وما يحتاج إليه، وتقوم من أمره بما تقوم به الأم وتحمله إلى طبيب إن احتاج إلى ذلك، وتدق ريحانه وغيره مما يحتاج إليه.

.القسم الثاني: في استئجار الأراضي:

وفيه صور:
الأولى: أن يستأجر للسكنى، فيحتاج أن يعرف من الدار والحانوت والحمام كل ما تختلف به المنفعة ويتعلق به الغرض، وتقل الأجر ويكثر بحبسه.
ويعرق قدر المنفعة بالمدة، ولا تتقيد بالسنة الواحدة وشبيهها، بل له أن يكري الدار إلى حد لا تتغير فيه غالبًا وينتقد. فأما ما لا يأمن تغيرها فيه لطول المدة أو ضعف البناء وشبه ذلك، فيجوز العقد دون النقد ما لم يغلب على الظن أنها لا تبقى إلى المدة المعينة فلا يجوز كراؤها إليها.
ولو آخر سنين ولم يقدر حصة كل سنة من الأجرة صح، كما في الأشهر من سنة واحدة. ولو قال: أجرتك كل سنة بكذا، أو كل شهر بكذا صح؛ ولكل واحد منهما الترك متى شاء.
وقال ابن حبيب: السنة الأولى أو الشهر الأول لازم، ويثبت الخيار لهما فيما وراء ذلك خاصة.
وقاله مطرف وابن الماجشون، وروياه عن مالك.
ولو اشترط عليه نقد مبلغ من الأجرة للزمهما العقد في المدة التي يقابلها ذلك المبلغ.
قال أبو الحسن اللخمي: قولاً واحدًا. ولو قال: أجرتك شهرًا بدرهم وما زاد فبحسابه صح ذلك، ولزم في الشهر،وهما فيما وراءه بالخيار.
ولو قال: أجرتك سنة، ولو يعين ابتداءها صح وكان من حين العقد. ولو قال: أجرتك الأرض ولم يعين للبناء أو للزراعة والغرس صح، وكان له أن يفعل من ذلكما يشبه. فإن أشبه الجميع، وكان بعضه أضر بالأرض من بعض لم يصح العقد ولو قال: لتنتفع بها ما شئت جاز. ولو قال: أجرتك للزراعة ولم يذكر ما يزرع صح العقد، ولم يزرع إلا ما يشبه. ولو سمي صنفًا بعينه يزرعه لكان له أن يزرع غيره مما ضرره كضرره أو دونه بالأجرة، دون ما ضرره أكثر. ولو شرط عليه أن لا يزرع فيها إلا صنفًا عينه لم يجز. قال في كتاب محمد: فإن نزل فعليه قيمة الكراء.ولو قال: أجرتك، فإن شئت فازرعها،وإن شئت فاغرسها جاز وتخير. ولو اكترى الأرض للبناء لم يشترط تعريف قدر البناء أو وصفه ولا يعرف ارتفاعه، بخلاف ما إذا اكترى جداراً ليبني عليه.

.القسم الثالث: في استئجار الدواب:

وهي تستأجر لأربع جهات.
الجهة الأولى: الركوب، فيشترط أن يعرف المستأجر الدابة بالرؤية أو بالصفة المشتملة على بيان ما تختلف أغراض المستأجرين بسبب اختلافه من صفات الدابة إن أورد عقد الاستئجار على الذمة. فيعين الجنس والنوع والذكورة والأنوثة، إلا أن تعرف العادة ذلك فيستغني بها عن ذكره.
وأما الراكب فلا يحتاج إلى وصف، بل لو عين بالرؤية أو بالذكر لم يتعين، وكان له أن يجعل مكانه مثله لا أضر منه. ويعرف المحمل بالسعة والضيق، ويعرف تفاصيل المعاليق. فإن أطلق في جميع ذلك وكان معلومًا بالعادة صح العقد. ولو كانت مختلفة اختلافاً متفاوتًا لم يصح العقد إلا بالتفصيل دون الإطلاق.
وأما كيفية السير وتفصيله، والسرى، ومقدار المنازل،ومحل النزول أهو في القرى أو هو في الصحراء، فكل ذلك يتبع فيه العرف.
الجهة الثانية: استئجار الدابة للحمل. وليعرف قدر المحمول بالرؤية إن كان حاضرًا، فإن كان غائبًا فيذكر الكيل والوزن أو العدد فيما لا كبير تفاوت بين آحاده.
وحيث كان الكراء في المدة لم يشترط معرفة وصف الدابة، إلا إذا كان المنقول يختلف الغرض فيه باختلاف وصف الدابة كرجاج أو نحوه.
الجهة الثالثة: الاستقاء، وليعرف قدر الدلاء، والعدد،وموضع البئر وبعد الرشاء إذا كان مباينًا للمتعارف فيها مباينة بينة، إلا أن يكون جميع ذلك أو بعضه معلومًا بالعرف فيجتزأ به.
الجهة الرابعة: الحراثة: ولتعرف بالمدة، أو بتعيين الأرض،وتعرف صلابتها ورخاوتها. وعلى الجملة فيعرف كل ما يتفاوت به الغرض ولا يتسامح بمثله في المعاملة.

.الباب الثاني: في أحكام الإجارة الصحيحة:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في موجب الألفاظ المطلقة:

ويرتبط النظر فيه بأقسام موارد العقد، وهي أربعة: الآدمي، والدور، والأراضي، والدواب.
القسم الأول: الآدمي:
واستئجار الخياط لا يوجب عليه الخيط، بل هو على المالك إلا أن تكون العادة خلافه. واستئجار الحاضنة على الحضانة لا يستتبع الإرضاع وكذلك الاستئجار عليه لا يستتبعها ولا يستتبع واحد منها دهن الصغير، ولا غسل خرقة ولا شيئا من خدمته، إلا أن يكون في ذلك عرف فيحمل عليه كما تقدم في المشهور،وقد ذكرنا قول ابن عبد الحكم.
القسم الثاني: الدور:
وإذا هطل البيت وأضر ذلك بالسكان فلا يجبر ربه على أن يطينه، بل إن طينه لزم المكتري الكراء، وإن أبى أن يطينه كان للمكتري الخروج. وليس للمكتري أن يطينه من كرائه ويسكن.
وقال غير ابن القاسم: التطين وكنس المرحاض مما يلزم رب الدار. وحكى أبو الحسن اللخمي عن ابن القاسم أنه قال في المدونة: كنس الكنيف وإصلاح ما وهي من الجدران على صاحب الدار.
قال: وقال في المجالس: ذلك على السكان، وفي الفنادق على صاحبه دون المكتري. قال: إلا أن يكون متقدمًا على العقد، ولا يصلح للسكنى إلا بإزالته، فيجبر صاحب الدار على إزالته،وأما ما ليس فيه ضرر على المكتري فيلزمه السكنى وجميع الكراء وإن لم يصلحه رب الدار. زاد أبو زيد: إلا أن يكون له في ما انهدم سكنى ومرفق فيحط عنه بقدره. ومن آجر داراً ليس لها باب وميزاب، فليس عليه تجديد ذلك، إلا أن يجهل ذلك المكتري، ويكون العرف وجوده، فيكون عليه تجديده.
القسم الثالث: الأراضي:
وفيها مسائل:
المسلة الأولى: إذا استؤجرت الأرض للزراعة، ولها شرب معلوم، فالعرف فيه الاتباع وإن لم يذكر.
المسألة الثانية: إذا مضت المدة والزرع باق، وقد كان ربه علم أن المدة تنقضي قبل. تمام الزرع بالأمد البعيد، فربها مخير بين قلع الزرع مجانًا وبين إبقائه بالأكثر من المسمى أو كراء المثل.
وإن كان ظن أن زرعه ينقضي عند تمام المدة فزاد عليها الأيام أو الشهر ونحوه فليس لربها قلعه، وله فيما زادت المدة بنسبة كراء المدة المسمى.
وقال الشيخ أبو محمد: له كراء المثل لا على ما اكترى.
قال: وفي الأم على حساب ما أكري. فطرح سحنون على حساب ما أكري في رواية يحيي، وأبقى كراء المثل.
وإن استأجر لزراعة القمح شهرين، فإن شرط القلع بعد المدة جاز وكأنه لا يبقى إلى القصيل. وإن شرط الإبقاء فهو فاسد للتناقض بينه وبين التأقيت. وإن أطلق فسد إن كان العرف الإبقاء.
ولو آجر للغرس أو للبناء سنة أو سنتين اتبع الشرط. ثم للمالك الخيار عند انقضاء الأمد في أخذ ما بني أو غرس بقيمته منقوضًا ومقلوعًا بعد إسقاط أجرة إخلاء العرضة من النقض إن كان المستأجر يحتاج إلى الاستئجار على ذلك، أو تكليف المستأجر القلع وإخلاء الأرض.
المسألة الثالثة: إذا استأجر أرضًا ليزرع فيها صنفًا، فله أن يزرع فيها غيره مما هو أقل ضررًا بالأرض،وليس له أن يزرع ما ضرره بالأرض أكثر من ضرر ما استؤجرت له.
وكذلك إذا استأجر حانوتًا لصنعة، فلا يباشر ما ضرره به فوق ضررها، ويفعل ما ضرره به دون ضررها أو مثله.
فرع:
لو استأجر للقمح أو غيره، فزرع ما هو أرض بالأرض منه، فللآجر القلع في الحال، فإن لم يقلع حتى مضت المدة فله أخذه بالكراء الأول،وما بين القيمتين.
القسم الرابع: الدواب:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه يجب على مكري الدابة تسليم ما جرت العادة بتسليمه معها من أكاف وبرذعة وحزام وسراج وسرج في الفرس، وشبه ذلك مما هو المعتاد، إذ ما يقتضيه العرف فهو فهو كالمشترط.
المسألة الثانية: أنه يلزم الكري إعانة الراكب في النزول والركوب في المهمات المتكررة على ما هو المعتاد. وكذلك الحكم في رفع الحمل وحطه، وكذا في المحمل إذا كان جميع ذلك متعارفًا.
المسألة الثالثة: يجب تقدير الطعام لمحمول، فإن فني رجع في البذل وعدمه إلى العرف.
المسألة الرابعة: إذا تلفت الدابة المعينة انفسخت الإجارة، وإن أورد على الذمة فسلم دابة فتلفت، لم تنفسخ: الإجارة، وكذا إن وجد بها عيبًا.
المسألة الخامسة: أنه يجوز إبدال مستوفي المنافع، فله أن يركب مثل نفسه، بل له أن يؤاجر الدابة والدار غيره، واستثقل مالك إجارة دابة الركوب خاصة إلا أن يموت أو يبدو له عن السفر. وليس له إبدال الصبي الذي عين للإرضاع والتعليم.
فرع:
إذا استأجر ثوبًا للبس نزعه في الأوقات التي العادة نزعه فيها كالليل والقايلة.